“سوق واقف” قلب الدوحة النابض.. وجهة سياحية مثالية
الدوحة: يُعد سوق واقف واحدًا من أهم المعالم السياحية والتراثية في دولة قطر، حيث يؤكد من خلال محافظته على بنائه المعماري الأصيل على اهتمام الدولة واعتزازها بثقافتها وتراثها الأصيل.
وسوق واقف يُعد من أقدم الأسواق القطرية والخليجية، وقد بني السوق على هيئة موقع سوق الدوحة التجاري القديم الذي يعود إلى أكثر من مئة عام، ليتم إنشاء السوق في وسط الدوحة عام 1955.
وتم إعادة تجديد سوق واقف وإحيائه في العام 2004، وذلك للتأكيد على تراث الأجداد الذي يطوره الآباء ليتوارثه الأبناء وليكون لهم مفخرة يتباهون بها، توثق جلال عاداتهم وتقاليدهم وتزيدها متانة وقوة على مر الأيام والسنين، وقد وضعت خطة لإعادة إحياء السوق على أسس ودراسات لتراث قطر المعماري ومواد البناء التقليدية التي كانت تستعمل في الأزمان البعيدة.
وتنطلقُ في سوقِ واقف العديدُ من الفعاليات الترفيهيَّة والجماهيريَّة خلال بطولة مونديال كأس العالم FIFA قطر 2022، حيث تمَّ الانتهاء من أعمال تركيب اللوحات الإعلانية الواقعة على شارع الكورنيش، بالإضافة إلى الأكشاك والمباني التي أُنشئت في الساحة الغربية وساحة الأحمد، فضلًا عن الاهتمام بتزيين الممرات بالمُجسّمات الفنيَّة التي تعكس رُوح المونديال.
كما تقامُ في الحديقة الشماليَّة من سوق واقف فعاليات تراثية مميزة تحت مسمَّى (الخيمة العربية)، وتحتفي بالمنطقة العربية والتراث المحلي والعربي لتقديم ذلك للمُشجع بطريقة بسيطة وتعريفه بصورة مباشرة بالعادات والتقاليد القطرية، وخاصة بيت الشَّعر والضيافة القطرية والمهن التراثية التي تشكّل جزءًا لا يتجزأ من الثقافة المحلية قديمًا.
وتعود تسمية سوق واقف الواقع في منتصف مدينة الدوحة، بجوار الكورنيش ومدينة مشيرب إلى أكثر من 100 عام عندما كانت عمليات البيع والشراء في تلك المنطقة تحصل وقوفًا، وكانت مدينة الدوحة وقتذاك يقسمها وادٍ إلى نصفين تجري فيه السيول الآتية من المرتفعات باتجاه البحر، وعلى ضفتي ذلك الوادي الصغير الذي كان مسرحًا لحركة المد والجزر كان أهالي الدوحة الذين سكنوا ضفتيه الشرقية والغربية يجتمعون للبيع والشراء.
ولأن مياه الخليج لم تترك سوى ممر ضيق فإن الباعة كانوا يضطرون للوقوف طيلة النهار، نظرًا لضيق المكان لذلك سمّي بـ (سوق واقف) ليصبح أحد المعالم التراثية القطرية، والبوّابة الرئيسية لمدخل السوق الكبير وإحدى الواجهات المحببة لمواطني الدولة ومواطنيها والمقيمين على أرضها وكذلك ضيوفها من الخارج إذ يجدون فيه تنوعًا في البضائع التقليدية والحرف اليدوية كالعطارة والبهارات والبخور والعطور، وصياغة الذهب والخياطة والتطريز وصنع العباءات العربية للنساء والرجال إلى جانب صناعة الخناجر والسيوف وأدوات الموسيقى، وبيع الطيور النادرة من صقور وببغاوات وغيرهما فضلًا عن الخيول والإبل التي تقرّب للزائرين حياة البيئة القطرية قديمًا.
وعندما يتجول الزائر داخل السوق يرى الفن المعماري القديم في ممراته وجدرانه ودكاكينه، ما يمحنه فرصة للتعرّف على ملامح تاريخ دولة قطر الثري؛ والذي يعبّر عن الوجدان الأصيل للشعب القطري وما يحمل من قيم راسخة في أخلاقياته، فهو ينطلق من جمال حياة البساطة إلى آفاق عمرانية ونهضة حضارية أرحب في وقتنا الحالي.
وجمعت عملية التطوير للسوق بين ماضيه وحاضره فتحول من مجرد تراث يبحث عنه البعض من الهواة لشراء التحف والتقاط الصور التذكارية والتعرف على التراث القطري إلى ساحة رائعة تقدم مختلف الأنشطة والفعاليات الثقافية والتراثية والمعارض التجارية المُرتبطة بالزراعات والصناعات الوطنية كذلك، ليجد كل زائر فيه ما يستهويه.
ولعل أهم ما يميز سوق واقف هو الاحتفاظ بذلك الفن المعماري في كل الدهاليز، كما يحتضن أصحاب المهن والحرف التقليدية، خاصة صياغة الذهب وفقاً للطراز المطلوب.
وعلى بعد أمتار قليلة من هذه المحلات التجارية بالسوق تفترش «المجالس» أرض السوق المعبّدة بأحجار صخرية متقطعة، فتتوزع «الدواشق» أو المساند الخمرية اللون يمنة ويسرة، إلى جانب المقاعد الخشبية القديمة التي ما زالت تبدو وكأنها أغصان لم تُحدث فيها يد الإنسان سوى تغييرات طفيفة. وما إن يمرّ السائح بالقرب من هذه «المجالس» حتى يشم رائحة المأكولات القطرية الشعبية.
ويشهد السوق ورشة عمرانية تبني مشاريع سياحية مميزة، من بينها فنادق ذات مستويات راقية، ناهيك عن الصروح الثقافية التي ستتمكن من استيعاب كافة النشاطات التي تقوم بها الجهات الرسمية والخاصة في السوق، أبرزها مسرح الموسيقار الراحل عبدالعزيز ناصر.
وتحرص إدارة السوق على إقامة الفعاليات المختلفة للمواسم والمناسبات، إذ تتضمن عروضًا غنائية ومسرحية متنوعة تناسب مختلف الفئات العمرية، وتستقطب الكثير من الزوار خاصة مع كثرة وتنوع الفنادق والمقاهي والمطاعم التي تعبر عن مختلف الثقافات، أو تلك المراكز الثقافية، خاصة مركز سوق واقف للفنون، التي تجعل من السوق متحفًا مفتوحًا أمام الجماهير.
وتُجسد الأزقة المتعرجة لسوق واقف مشهدًا ناطقًا بالحياة التقليدية في الشارع، ويوفر السوق لمحبي الكنوز القطع الأثرية من جميع أنحاء المنطقة، بدءًا من الأحذية إلى التحف والحرف اليدوية، كما تتنافس معدات صيد الأسماك ومعدات الغوص بحثاً عن اللؤلؤ لتأسر انتباه الزائرين، فضلاً عن الأقمشة المنسوجة والسجاد والأثاث الخشبي والزخارف الزجاجية المصنوعة في ورش العمل المجاورة، ويمكن للموسيقيين الواعدين الاستمتاع بمجموعة متنوعة محلية من الطبول والمزامير والآلات الوترية، بما في ذلك آلة العود.
ويستمتع زوار سوق واقف برائحة التوابل المنبعثة هنا وهناك؛ حيث تجد في هذا المكان النكهات العربية النادرة المتنوعة بين حبوب التوابل أو التوابل المطحونة، مثل الزعفران والزعتر والسماق والزهور المجففة والليمون الأسود المجفف وأنواع لا حصر لها من التمور والعسل وأوراق الشاي وحبوب القهوة.
وفي متجر اللؤلؤ الواقع وسط متاجر بيع الأعمال اليدوية، يمكنك بدء حوار مع المالك- وهو غواص لؤلؤ سابق- والتعرّف على فن صيد اللؤلؤ الذي نفتقده، ومشاهدة العديد من أنواع اللؤلؤ الأبيض والوردي والرمادي.
كما يمكن استكشاف العديد من العطور ومستحضرات التجميل التقليدية في المنطقة في هذا السوق، بدءاً من العود والمسك إلى العطور المصنوعة حسب الطلب والكحل وزيت الأرغان وقوالب تصاميم الحناء.
ويعج السوق بالكثير من الأطعمة التي تعبر عن مختلف الثقافات، بدءًا من مأكولات المطاعم المتنوعة إلى مأكولات الباعة الجائلين؛ حيث تتجمع النساء المحليات في الفناء المركزي لبيع الكثير من الأكلات الشعبية مثل الهريس والثريد وغيرها، وذلك إلى جانب المأكولات الحديثة مثل السمبوسة وورق العنب المحشو إلى “يخنات اللحم، والزلابية الحلوة”. وإذا لم تكن تفضل أغذية الشارع، فلا تفوّت تجربة شاي الكرك والفطائر (الرقاق)، والمخبوص (طبق أرز تقليدي)، والفحسة (يخنة اللحم المطهوة ببطء في الأواني الفخارية) وتتناولها بالطريقة التقليدية جالسًا على الأرض، والكنافة والبقلاوة الشهية.
وسوق واقف واحد من أكثر الأماكن شعبية للتجول مع الأصدقاء، خاصة بعد غروب الشمس؛ حيث تفتح المقاهي الموجودة على جانبي الطريق أبوابها حتى الساعات الأولى من اليوم التالي، وتقدم خدمات لا تنتهي من القهوة العربية وعصائر الفاكهة الطازجة وتوفر المقاهي والمطاعم شاشات عرض تليفزيونية لنقل مباريات كرة القدم، بينما يقدم مجلس الدانة، لعبة الطاولة المحلية الشهيرة.
جدير بالذكر أن فنادق سوق واقف، حصدت للعام الخامس على التوالي، جوائز اختيار قراء مجلة «كوندي ناست ترافيلر» في نسختها الخامسة والثلاثين لعام 2022، حيث احتلت المركز الخامس ضمن قائمة أفضل 20 فندقًا في الشرق الأوسط، والمركز 39 من أصل أفضل 50 فندقًا على مستوى العالم، مرسخة بذلك مكانتها في قطاع الضيافة، وذلك بفضل ما تمتاز به المجموعة كعنوان للرفاهية والإقامة الفاخرة، والمكان الأمثل لتجديد النشاط والاستمتاع بتناول خيارات متنوعة من المأكولات من مختلف المطابخ العالمية، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي في قلب سوق واقف التراثي وسط مدينة الدوحة النابضة بالحياة.
وكالة الأنباء القطرية- قنا