الركراكي جهز الأسود وطوقها برباط الروح والمسؤولية
الدوحة: حسام عبد الكريم
في هذا الجانب من العالم، حيث تصحو الشعوب كل صباح بجفون نصف مغمضة، تندبُ حظها وتبدأ يومها مطاردة خيط الشمس إلى أن يوصلها للغد. خلال هذه الرحلة اليومية، ينظر الفرد منّا للنصف الآخر من العالم بنظرة الباحث عن الأمل، فهناك تنزاح عن كواهل المرء حمولات ضنك العيش والرهق.
وحدها كرة القدم، من تزيح غشاوة البؤس اليومي، وتحيله إلى أمل يخفّفُ وطأة الألم. يتعاظم معها الحس الوطني، وتعلو روح الإعزاز والفخر، ولأنها علمٌ غير صحيح ينتظر الضعيف فيها تلويحة بالنصر على القوي، واليائسُ كوةً للأمل، والمقهور بإمكانه أن يلامس أقصى درجات التحرر بعد نصرٍ مؤزّر.
في المحفل الأهم للعبة الشعبية الأولى، اصطفت الآلاف من جماهير المغرب، كما اعتاد مركب محمد الخامس أن يحملها، ويمّمت وجهتها نحو ملعب المدينة التعليمية فملأت مدرجات الملعب وتوزّع ضعف هذا العدد بين الساحات لتقديم الدعم لأسود الأطلس في موقعة استرداد الأندلس، وإن في سياقها الكروي. من خلف هذه الجموع زاحمت الأمنيات العربية والإفريقية دعوات الشعب المغربي وكأنما قد تمدّدت الرباط بطول جغرافيا الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، واكتست العواصم باللون الأحمر فاليوم معركة الشرق والغرب!
معادلة علوّ كعب الغرب ليست خطية، إذ دحضتها التجارب مرارًا، لكن ما يُثبتها في أحايين كثيرة هي قدرة الغرب على تلوين الحقائق، سواءً تم ذلك بالتأثير على موازين القوى أو بتسخير الموارد لاستمرار دوران عجلتها على حساب الآخر. واليوم يقعُ على عاتق المغاربة دحضُها مرةً أخرى، بل نفيها وإلى الأبد!
الناخبُ الوطنيُّ وليد الركراكي، بعقل كرويٍ لا يقل اتّقادًا عن أولئك الذين تمتدحهم الصحف الأجنبية، أعدّ مجموعة من الأسود بجودةٍ تكافئ جودة أعتى المنتخبات الأوروبية، وطوّقها برباط الروح والمسؤولية، ليسطّر ملاحمَ خالدة في مونديال قطر 2022، أعظم ما جاء فيها كان إسقاط الأندلس (الكروية)، بعد فتوحاتٍ كبيرة في مرحلة المجموعات.
انتصار المغرب على إسبانيا ليس انتصارًا كرويًا فحسب، وإنما تأكيد على أن كرة القدم بإمكانها أن تنصفَ المستضعفين، وتعيد صياغة معادلة جديدة في كتاب الرياضات التنافسية “التخطيط السليم بإمكانِه أن يقود لنجاحات عظيمة” ، فنزالُ أحد عشر لاعبًا لأحد عشر لاعبًا يبقى نزالًا متكافئًا، تقل فيه الفوارق الفنية بإعلاء مبدأ الاتلتزام، والثقة بالنفس وروح الجماعة التي -بلا شك- تطغى على مهارة الفرد.
اليوم، يستيقظ كل الشعب المغربي، بجفن نصف مغمض أيضًا، لكن ما أعياه هذه المرة ليس بؤس الحال، وإنما أرهقها بكاء الفرحة الكبيرة التي أبدعها وليد الركراكي بمحاربيه الأفذاذ، وقضاء الليل بأكمله بترديد هتافات وأهازيج النصر، وكما تقول العامية المغربية “ما زال ما زال” ، الأيام لا تزال حُبلى بالمزيد، فالبرتغال بطبيعة الحال ليست أكثر خطرًا من إسبانيا، وخزانتها فارغة من كأس العالم.. والحظوظ متساوية.