في الدوحة… أنت عربي ارفع رأسك
حسن حاموش-
كثيرة هي قصص الذين يخشون من المجاهرة بعروبتهم وانتمائهم العربي خصوصا بعد الأوضاع التي سادت الدول العربية في العقدين الاخيرين. وكثيرة هي قصص المعاناة التي يعيشها الشباب العربي في المطارات الاجنبية. وهناك قصص أكثر إيلاما للباحثين عن جنسية أجنبية وكأن العروبة صارت عبئا يثقل العقول والنفوس بعدما تحطمت الامال والاحلام.
هذه الصورة المحزنة لا تجدها في الدوحة حيث نجحت قطر في جعل العروبة الأكثر حضورا في المونديال وأصبحت الصورة في الدوحة: انت عربي ارفع رأسك… في الدوحة أينما وليت وجهك تجد العروبة ربيعا يزهر فرحا في وجوه الناس وتسمعه صوتا هاتفا من الحناجر المفعمة بالحماس العربي وصورا للاعلام العربية تعانق العلم الفلسطيني في كل الاماكن والاحياء. في الدوحة العروبة حاضرة في الملاعب والاستادات وفي الفعاليات المصاحبة… في الدوحة لن تطأطئ رأسك ولن تخشى مجاهرتك بانتمائك العربي.. في الدوحة تعيش انتماءك العربي بفخر واعتزاز. في الدوحة تجاهر بعروبتك كما لم تجاهر بها يوما.
هذا الوصف ليس واقعا افتراضيا عبر الوسائل الرقمية. إنه حقيقة ساطعة لمسها القاصي والداني وعاشتها الجماهير العربية بكل معانيها. كل عربي جاء الى مونديال قطر عاش تجربة زهوة الفخر بالانتماء العربي. وهي تجربة غير مسبوقة ستبقى خالدة في ذاكرة التاريخ تتوارثها الاجيال المتعاقبة.
كان البعض يظن أن اقصى حد للحلم العربي هو استضافة المونديال في أول عاصمة عربية. لكن قطر شاءت أن تهدي الشعوب العربية وسام الفخر والاعتزاز بعروبتهم عبر تجربة لا توصف فاقت كل التوقعات تكاملت فيها كل العناصر لتجعل المونديال تجربة عربية لا تنسى.
لقد اتخذت البصمة العربية في المونديال خطا تصاعديا بدأ من الافتتاح الذي حضرت فيه اللغة العربية لأول مرة بحوار أداره الرائع غانم المفتاح يعكس القيم العربية والتعاليم الاسلامية، وتوج بحضور كبير ووازن لقادة الدول العربية والخليجية والاسلامية. وقد كان لافتا توشح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بالعلم القطري. مما دشن حالة تفاعل عربية من القادة الى الجمهور. وهي حالة جديرة بالاهتمام.
ثم جاءت مباراة السعودية والارجنتين التي اشعلت الحماس العربي ليس في قطر بل على مستوى الوطن العربي من المحيط الى الخليج وكان لافتا ايضا توشح كثير من القيادات والرموز بالعلم السعودي مما عزز مشاعر التضامن العربي بلمسة غير مسبوقة.
وكانت فلسطين العلامة الفارقة في مونديال قطر حيث وضع كبار المسؤولين واللاعبين ربطة يد تحمل العلم الفلسطيني فيما انتشرت الاعلام الفلسطينية في الملاعب ومناطق المشجعين واماكن الفعاليات كانت فلسطين تنبض في قلوب الجماهير العربية بمختلف جنسياتهم وتصدح في حناجرهم وكوفية يتوشحون بها. ولم يكن بين تلك الجماهير من يخشى التعبير العفوي عن تضامنه مع فلسطين. وهي طبعا صورة يستحيل ان تجد لها مثيلا في عواصم اخرى.
صورة التضامن العربي تجلت بتفاعل الجماهير العربية مع بعضهم بطريقة لم تقوَ السياسة يوما على توحيدهم بهذا المستوى من صدق المشاعر. صورة رائعة غيبتها السياسة والصراعات المقيتة عن الاذهان. كنت تجد الجمهور العربي يهتف بصوت واحد لقطر عندما يلعب المنتخب القطري ويهتفون للسعودية عندما يلعب منتخبها وكذلك الحال لتونس والمغرب. كان المشهد في الدوحة اشبه بلوحات ابداعية تجسد التضامن العربي في مشهد أقرب إلى سيمفونية عربية ستعزف طويلا بأوتار التاريخ.
مع كل مباراة لمنتخب عربي كانت الارض تتكلم عربي باصوات جماهير تهتف بصوت واحد فلا تعرف المصري من المغربي ولا السوري من التونسي ولا اللبناني من الخليجي ولا الجزائري من العراقي. مشهد سيلهم كثيرا من المبدعين العرب لانتاج اعمال ابداعية من افلام وثائقية وكتب وروايات وقصائد.
هذ المشهد العربي النادر ما كان ليتحقق لولا رغبة قطر قيادة وشعبا. وتقدمت القيادات والرموز المشجعين للمنتخبات العربية وتوشحوا بالاعلام العربية في تفاعل عفوي وصادق لمسته الجماهير العربية التي اشتعلت حماسا وفخرا بعروبتها وزهوا بأجمل مشاعر الانتماء العربي في دوحة العرب.