آراء ومقالات

..وفرحنا في عز المِحْنَة.. شكرا منتخب السودان

نجلاء نورين

كتب المنتخب السوداني لكرة القدم فصلاً جديداً بمداد الإصرار والعزيمة في سجل المجد ليلة أمس بملعب ثاني بن جاسم ، واجه منتخب “صقور الجديان”، نظيره اللبناني في معركة تأهل حاسمة إلى بطولة كأس العرب المرتقبة في الدوحة، ليقدموا عرضاً أسطورياً أبهج وأمتع وجبر خواطر ملايين السودانيين المكسورة بفعل ويلات حرب ضروس تنهش في جسد الوطن منذ أكثر من عامين.

لقد لعب أبناء السودان بحرارة قلوب شعب السودان، وبشهامته الأصيلة، وبحب لا يضاهى لوطنهم المكلوم. و انتصروا انتصاراً تجاوز النتيجة الرياضية بكثير، لأنه انتصار على واقع مرير لا يخفى على أحد، لا تدريب كافٍ، لا معسكرات مستقرة، لا بلد آمن، ولا ملاعب، ولا تتوفر أي من أسباب التفوق المتعارف عليها في عالم كرة القدم. ومع ذلك، وبروح قتالية وشجاعة استثنائية، حققوا الفوز المستحق، بل وزادوا الملحمة قوة و تحدي عندما أكملوا المباراة بعشرة لاعبين فقط إثر طرد مبكر للاعب جانو في الشوط الأول. لقد انتصروا على المنتخب اللبناني نعم ، لكن قبله انتصروا على الظروف القاسية والواقع الأليم.

كان الإصرار على الفوز وقودهم، و كانت غايتهم هي رسم البسمة على وجوه جموع السودانيين الغفيرة التي توافدت لتملأ ملعب الغرافة عن آخره. هذه الجموع كانت هي بطل المباراة الحقيقي، وجسدوا المقولة السودانية “الأعمى شايل المكسر”! شباب ونساء وأطفال وكبار سن، فئات عمرية ربما لم تطأ قدمها ملعب كرة قدم من قبل، ولم تهتم يوماً بمثل هذه الرياضات، لكنهم قطعوا المسافات قاصدين ملعب الغرافة، لم يأتوا لمشاهدة كرة القدم، أتوا ليحيوا حالة سودانية خالصة يعرفونها وحدهم، يحسونها وحدهم، أتوا ليعيشوا لحظة جماعية سودانية، وإحساساً سودانياً موحداً حرمتهم منه الحرب اللعينة.

غنت حناجرهم للسودان، وهتفت باسمه، ومدت اللاعبين بطاقة روحية طردت الإحباط والحزن وأخبار القتل والدمار وانسداد الأفق!
و المشهد الذي لخص كل شيء، كان مصافحة اللاعبين للمرأة المُسِنة التي كانت تجلس على كرسيها المتحرك. هرعوا لتحيتها وتهنئتها وتقديم الفوز هديةً لها، في لقطة اختزلت محبة السودانيين لبعضهم البعض رغم المحن، وكشفت أصالة تربيتهم وتقديرهم للكبير. كانت تحيتهم لها وقبلتهم لجبينها رسالة ضمنية عميقة: “فزنا ببركتك يا خالة وببركات الطيبين من أمثالك”.

شكرًا جزيلاً لمنتخب السودان العظيم. ألف مبروك لكم هذا الفوز الثمين، ومبروك لبطولة كأس العرب التي تستضيفها الدوحة. لقد كسبت البطولة “حصاناً أسود” عالي المقام، سيضيف زخماً هائلاً لم يكن ليتحقق لولا وجود هذا الجمهور السوداني العاطفي المخلص لبلده. لأن الآلاف من السودانيين في الدوحة سيكونون هم جمهور منتخب السودان في كأس العرب، يمثلون وطنهم المكلوم و يلعنون حربه الضروس بحضور يتجاوز حدود المنافسة الكروية، فهو تمثيل الوجود والبقاء، تمثيل الحياة والأمل والرجاء بأن السودان حي ولن يموت، كما جابوا شوارع قطر بالأمس و أخبروا الله والشوارع والبيوت بنصرهم في الملعب، وبأنهم لن يستسلموا لخسارات الوطن و الحروب.

شكرا منتخب السودان
نعم فرحنا في عز المحنة! و سنفرح بنتائجكم في كأس العرب ، بالرغم من أنه كلما ارتفع صوت الهتاف والأزيز والفرح السوداني العالي في الملعب، كلما تذكرنا الحقيقة الموجعة:
هذا الوجود السوداني الكثيف والمحتشد في الدوحة، سببه أزمة الوطن، سببه الحرب و هذه الفرحة هي فرحة الانتصار نعم، لكنها أيضا هي الوجه الآخر للجرح، للنزوح و التهجير!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى